أحرار العالم

رغم كلِّ بشاعة الحربِ وكِلفتِها، عندما تُفرَضُ لأجلِ الحريَّة تكون شريفةً. يرافِقُ الحروب الدمار والمآسي، إنَّما أيضًا تُرافِقُها البطولات والإنتصارات. الحربُ لأجلِ الحريَّةِ هو موقفٌ ثابت في مواجهة أي إستعبادٍ أو تَسلُّطٍ أو تعرُّضٍ للحريَّة التي وهَبَها اللهُ للإنسانِ بشكل عام ولأولادِهِ بشكلٍ خاص. لا تعني كلمةُ حرب بالضرورة القتل والعنف، إذ هي أولًا موقِفُ مُواجِهٌ رافِضٌ يُعَبَّرُ عنه بوسائلَ مختلفة. حرَّر المسيحُ أولادَهُ وأعطاهم القوةَ والقدرةَ على عيشِ حياةٍ طاهرةٍ مبنيَّةٍ على طاعةِ وصاياه والشركة معه. الخطيَّةُ هي ممارسةُ التعدّي وهي الإستسلامُ والخضوعُ لمنطقِ العالمِ الشرير ولقيادة الطبيعةِ البشريَّةِ الساقطة الموجودة في كل إنسان. لأن الإنسان هو عبدٌ لِمَن يطيع، فمن يمارسُ الخطيَّةَ هو عبدٌ لها. العدو ليس فردًا من الناسِ مهما كَثُرَ شرُّهُ أو عداؤه، بل هو فِعل الخطيَّةِ نفسه. عندما تُذعِنُ المسيحيَّةُ لتقاليدِ العالمِ وثقافاتِهِ تخسرُ حربَها وعندما تُشاكِلُه وتُسايرُه وتَغْرَق معه في مشاغله وهمومه، تُعلن مَوْتَها وفَشَلَها. عندما تُحارِبُ أيَّةَ مجموعةٍ من الناس بدل أن تحارب الخطيَّة التي يمارسوها تكونُ قد سقطتَ في شركِ العالمِ نفسِه. المسيحيَّةُ لا تُقاوِمُ الشرَّ بالشرِّ، ولا في المقابل تربحُ العالمَ للمسيح عبر الإستسلامِ له والمصادقةِ على شرورِه. المسيحيَّةُ وُلِدَت حُرَّة وتبقى حُرَّة بحفظِ طاعتِها وولائِها لرئيسِها وسيدِّها في هذا العالم، مهما كان الثمن “هَذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الاِبْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ” (1تيموثاوس 18:1).
مع الحريّة الحقيقيَّة تأتي المسؤوليّة. العبدُ يطيعُ، بينما الحرُّ يختارُ مَن وماذا يطيع. لا يملك المُستعبَدُ القرارَ وحريَّةَ الخيار، بينما يملِك الإنسانُ الحرُّ الإرادةَ لأن يكونَ مسؤولًا عن أسبابِ ونتائج خياراتِهِ. الحريَّةُ المسؤولةُ بعيدةٌ عن الأنانيَّة وهي مسؤولةٌ عن خيرِ الآخرين. هنا نرى تأثير المحبَّةِ على كلِّ شيءٍ، حتى على الحريَّة. فهذه الحريَّةُ مُستعدَّة لتتخلى عن حقوقِها إذا لزم الأمر. هي مسؤولةٌ عن فائدة الآخرين ولو على حسابِها. فَمَن يفهمُ الحريَّةَ على أنها شيءٌ مجرَّدٌ من أي قيودٍ يكونُ قد فاتَهُ الكثير. أيضًا، الحريَّةُ الحقيقيَّةُ هي مسؤولةٌ عن تقدّمِ الإنجيل وليست مسؤولة عن تأمين الراحة والكرامة لصاحبِها فقط. وتبقى هذه الحريَّةُ المسيحيَّةُ الشريفة، مهما إختلفت الأمورُ والأهدافُ، مسؤولة عن تمجيد الله بكلِّ موقفٍ أو عمل، “فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئاً فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ.” (1كورنثوس 31:10). هنا تكشِفُ الحريَّة مصدرها. جميع الناسِ يأتون إلى هذا العالم مُستعبَدين للخطيَّة من البطن. والكثيرُ منهم يُصارعون لأجلِ الحريَّةِ فيحصلوا عليها من مصادرَ وطرقَ متنوَّعةٍ. إذا عَمِلتْ هذه الحريَّة على تمجيد الله وليس لإرضاء الذات، تؤكدُ مصدرها وحقيقة وجودها لأنه مكتوب “فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً.” (يوحنا 36:8). من يمتلك هذه الحريَّة ومن هم أحرار هذا العالم؟ حِملُ العبوديَّةِ ثقيل أمَّا نير المسيح فهو خفيف. شُرَفاءُ العالم هم أحرارُهُ، أبطالُ العالم هم المحاربون لأجل حُريَّته

Share the Post:

other articles

نجاح رُغم الإخفاق

أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث

Read More

أمراض القلب

تُصَنَّف الكثير من الأمراض، التي ليست عُضويَّة في طبيعتها، على أنها “نفسيَّة”، فتُعالج خطأً بالوسائل الطُبيَّة عبر الأدوية أو الإرشادات

Read More

لماذا خلقَنا الله؟

هل يحتاج الله لمن يُحبه ولمن يعبده؟ وجود الحاجة يعني وجود النقص. إذا كانت عمليَّة الخلق هي لتأمين الشركة مع

Read More

CONTACT

WORKING HOURS

Join THE SOCIAL CIRCLE

Get updates on special events  & added information