من حين إلى آخر تظهر أفكار جديدة تنتشر بسرعة بين الكنائس تدعو للقيام بتغيرات جذريِّة في العقائد والممارسات، تُحاكي العصر وتُبسِّط التعاليم المسيحيَّة وتختصرها بشدة وتجعلها ذو مطالب ضئيلة وتبتعد عن ما تصفه بالمسيحيَّة الكلاسيكيَّة المُتحَجِّرة. لأن الهدف الأول هو جذب وإقناع عدد أكبر من الناس بالإنضمام للكنيسة، أو حتى حضور إجتماعاتها ومناسباتها، تقوم هذه الأفكار على مبادىء بسيطة وبريئة بالظاهرلكن بعمقها وبنتائجها مؤذية.
التعاليم البسيطة لن تقود الإنسان إلى تمجيد الله في حياته عبر إتخاذ قرارات ومواقف مُقدَّسة ومُشرِّفة. الرسائل والمحاضرات الروحيَّة والعَمَليَّة والنفسيَّة لن تُحي الإنسان الميت بالخطيَّة كما تفعل كلمة الحياة. التركيز والعمل على ما يُرضي ويجذب الناس الذين ما زالوا بطبيعتهم الخاطئة لن يُكثر عدد المُخَلَّصين بل فقط المشاهدين والمؤيدين. الإبتعاد عن تقديم كُل مشورة الله والإكتفاء بإنجيل منزوع منه الدسم وأي شيء قد يعثر الناس لن يصنع مشيئة الله ويبني جسد المسيح. النشاطات الإجتماعية والبرامج الترفيهيَّة والتكنولوجيا العصريَّة لن تُعوِّض عن قوة وفاعليَّة تفصيل كلمة الحق بالإستقامة. تجاهل غضب الله على شرور الإنسان الناتج عن قداسته المَهيبة وتجنُّب الحديث عن الفساد الكُلّي والدعوة للتوبة والطاعة والتكريس لن يُثمر إلا مسيحيَّة سطحيَّة فارغة. النعمة التي لا تُعلِّم ليست نعمة مُخلِّصة بل خادعة. إجتماعات بيتيَّة عفويَّة يُشارك المجتمعين فيها عن مشاعرهم واختباراتهم وتأمُّلاتهم لا تزرع كنيسة. فن القيادة ليس هو ما تحتاجه الكنائس للنمو بل رضى الرب وبركته. بإختصار، التعليم البسيط لن يُنتج إلا مؤمنين بسطاء.
وصف الكتاب المقدس المعلمين الكذبة الذين يرعون أنفسهم بأنهم “غيومٌ بلا ماء تحمِلُها الرياح” (يهوذا 12). وصفهم أيضًا “نفسانيّون لا روح لهم” (يهوذا 19). هم لا يُعادون الإيمان الصحيح بشكل فاضح ومباشر، لكن يُحَوّلون ويُغيّرون المبادىء الكتابيَّة التي تعكس التغيير في عقائدهم (حتى ولو أنكروا) أو جهلهم لهذه العقائد بحجج مختلفة. مقابل هؤلاء دعى يهوذا المؤمنين الأحباء حتى يبنوا أنفسهم على الإيمان الأقدس الذي سُلِّم مرةً للقديسين وليس على الإيمان المُعدَّل أو المُطوَّر الذي لا يجعل من تعليم كلمة الله المحور ولا يؤمن أن إعلان الله هو الحق المُطلق الذي لا يتغير ولا يتبدَّل. بإختصار هذه المبادىء والممارسات تَعِد كثيرًا لكنها تَفِي قليلًا. لهذا من الضروري الإجتهاد والتَمَسُّك بمسيحيَّة لا تحمل الإسم بل تحمل نير المسيح. مسيحيَّة لا ترفع الصليب شِعارٌ لها بل تُعَلِّم بلا خجل ماذا يعني. الكنيسة ليست نادي، ولا مستشفى، ولا جمعية خيريَّة، بل هي هيكل الله الحي، عامود الحق وقاعدته الذي يجب أن يُقدم فيها ذبائح مُقدَّسة ومرضيَّة.
رغم كل ما يحصل وبدون أدنى شك ستبقى كنيسة المسيح صامدة وشامخة حتى يوم مجيئه لأن يسوع نفسه هو بانيها ورأسها ووعد بتأمين إنتصارها. لأن المسيح رب المجد هو رئيس الإيمان ومُكَمِلُه ستبقى هناك كثير من الكنائس التي تُعَبِّر وتشهد عن مسيحيَّة حقيقيَّة تُعلِّم كُل ومِن كُل كلمة الله.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث