بعد أربعة قرون من محاكمة سقراط في أثينا، وقف بولس الرسول في المكان نفسه مدافعًا عن رسالته، عن دينه الجديد كما وُصِف من اليونانين، عن يسوع المسيح وقيامته. هناك في الأريوس باغوس في أثينا، المدينة التي تفتخر بعِلمِها وتديّنها، وقف رجل روماني من طرسوس، يهودي الجنس، ينادي بالإله المجهول إذ خُصِّص له مذبح في المدينة. قال لهم “فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه، هذا أنا أنادي لكم به”. يظنّ البعض مخطئين أن بولس الرسول وافق على طريقة عبادتهم لهذا الإله حتى ولو كانت عن جهل. ويظنّ البعض الآخر أيضًا مخطئين أن بولس الرسول أوجد القاسم المشترك بينهم وبينه وانطلق منه ليُقَرِّب الممارسات الدينية المختلفة من بعضها البعض. من الواضح أن بولس الرسول لم يفعل هذا بالمرّة، بل على العكس هو حوَّل أنظارهم نحو ما هم يدعونه الإله المجهول ليُظهر لهم أهمية إعلانهم وإعترافهم بوجود إله يجهلونه. من الواضح أنه كان يكشف لهم عن صحّة إعلانهم وإعترافهم بعدم كفاية كل تلك الآلهة وكل تلك الممارسات التقوية عن إيصالهم للمعرفة والراحة. إن العقل يقود إلى الإعتراف بضرورة وجود مسبِّب لأي وجود مادي أو أخلاقي. وهذا العقل نفسه هو الذي قادهم للإعتراف بأنهم يجهلون هذا الإله الحقيقي الذي يحاولون أن يتقوه. هذا وحده يكفي لكي يؤكد أن التقوى لا تقود للمعرفة، إنما أحيانًا كثيرة هي مجرد تعبيرعن خوف الله ورغبة في إرضائه وإرضاء الضمير بدون أي علاقة شخصية معه مبنية على المعرفة والمحبة. عندما تكون التقوى ممزوجة بالجهل، كما كانت عليه حالتهم، فهي تُتعب أكثر وتُضيف ألمًا أكثر، كما أنها لا تُوصل أصحابها إلى الخلاص بل إلى الضجر والضلال. قال المسيح إن أعظم الوصايا وأولها هي محبة الرب من كل القلب والنفس والفكر والقدرة. فكيف يمكن أن يكون هذا دون معرفة حقيقية واعية لهذا الإله؟ هل من الممكن أن يُحب أحد من هو بعيد وغريب عنه ومجهول لديه؟ لم يوافق هذا الرسول الكبير على الجهل، ولم يوحِّد المفاهيم، بل دعاهم بكل وضوح للتوبة عن الإستمرار في هذا الجهل عينه. ما يحتاجه هؤلاء الفلاسفة وكل الأتقياء الذين ولو كانوا عن إخلاص يعبدون إلهًأ مجهولاً، هو معرفة شخصية ليسوع المسيح الإله المتجسد الذي جاء إلى هذه الأرض ليقترب من الإنسان ويفديه على الصليب. هذا ما نادى به بولس في الأريوس باغوس محذرًا من اليوم الذي أقامه الله ليدين فيه المسكونة بالعدل، ليدين فيه من هو متمسك بالجهل.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث