كثيرون يشكرون الله على حياتهم العاديّة، إذ يَرَوْن أنفسهم قادرين على الحركة وإعالة نفوسهم في حين أن الربّ يسوع أعدّ لكلّ مؤمن حياة غير عاديّة خارج إطار المعتاد والمألوف.
مع استسلامنا “للعادي” نخسر “غير العادي”. قد لا نحارب في سبيل موضوع ما لأنّنا ببساطة قد لا ندرك وجوده. إذا كان لنا ميراث ولا نعلم عنه شيئًا، لن نتألّم إذا سُرق منا. كثيرون يجهلون أنّ المسيح أعدّ لهم حياة مُتميّزة وقويّة وغير عاديّة، لذلك يستسلمون للعادي ويَرضون به. هؤلاء لا يخسرون بالضرورة خلاصهم، إنّما يخسرون ثمره كونهم لا يسيرون وفق خطّة الله ومشيئته لحياتهم.
مشورة الرب
لدينا القدرة كمؤمنين بالمسيح أن نعيش حياة غير عاديّة، وأن نسأل الرّب فيجيبنا، ونستشيره في كلّ أمور حياتنا فيرشدنا إلى الأفضل. يُذهلني كيف أنّنا أحيانًا نرى الأمور من منظورنا الخاص، فنستحسنها ولا نرى فيها مشكلة، ونخال أنّها الأفضل. بينما يغيب عنّا أنّ إلهنا الكُليّ الحكمة والفهم له رأي خاصّ، ويعرف ما هو الأفضل لنا حتّى في أصغر القرارات. فلا نسأله طالبين مشورته، ونخسر بالمقابل الكثير. نتوخّى أن نطلب مشيئة الربّ في القرارات الكبيرة والمصيريّة في حين أنّنا غارقون في بحر من المشاكل بسبب قرارات صغيرة أهملنا طلب مشورة الرب بشأنها! ما أجمل أن يتخيّل الإنسان كيف كانت لِتبدو حياته لو أنه طلب مشورة الرب في كلّ قرار كبير أو صغير.
نعمة الرب
عندما نتأمّلُ النّاموس والوصايا، نجدها كثيرةً وصعبةً فنخاف الفشل. ولكن لو أدركنا عِظَم نعمة المسيح، الّتي لا تكتفي بأن تخلّصنا وتعلِّمنا وتحرّرنا بل أيضًا تتبعنا، نتشجّع إذ نفهم أنّ الرّبّ يعطينا نعمة فوق نعمة، لنعيشَ حياةً غير عاديّة. تقول كلمة الله في إنجيل يوحنا 1: 16 “وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا وَنِعْمَةً فَوْق نِعْمَةٍ”، أي أنّنا لا نحصل على النعمة مرّة واحدة فقط بل نِعَم مُتكرِّرة.
الربّ مليء بالنِّعَم، فلماذا نكتفي بنعمة الخلاص فقط؟ لِمَ لا نستفيد من كلّ نِعَم المسيح، لنصبح شركاء الطبيعة الإلهية، ونعيش حياةً قويّةً جدًّا على الأرض، يستجيب خلالها الرّب لصلواتنا ويَنقل جبال الصعوبات التي تعترضنا. وعَدَنا الرّب يسوع قائلاً: “اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ” (متى 7: 7)، لكن وللأسف يستسلم الكثيرون لحياة عاديّة جدًّا، حياة دون المستوى، متذرِّعين بحجج فارغة لتبرير عدم جدوى وفعاليَّة وتأثير الحياة التي يعيشونها.
نخسر الكثير لو حصرنا دور النّعمة في غفران الخطايا فقط، وعشنا حياة عاديّة، لا تختلف عن حياة أهل العالم الذي لا يعرف يسوع. إنّ النّعمة تخلّصنا من الخطيّة وعبوديّتها وسلطانها وسطوتها ومن لعنة النّاموس، لكي نقوى على عيش القداسة، وليس لمجرّد أن تُمحى خطايانا.
كم نسيء فهم النّعمة حين نعتقد أنّها مجرّد تبرير لحياة ضعيفة هزيلة دون المستوى. إن كنتَ مخلّصًا بالنعمة ومستعدًّا للتسلّح بقوّتها سوف ترتقي فوق محاولة طاعة الناموس وتكون كاملاً كما أنّ الله هو كامل.
مطاليب الرب
ما يطالبنا به المسيح هو أكثر بكثير ممّا نظنّ، فعندما قال لتلاميذه “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ… وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ…” قَصَدَ أن يرفع المستوى. فقد كان تعريف القتل قديمًا أن تمسك بخنجر وتطعن جارك وتسفك دمه، أمّا تعريف المسيح لقاتل النفس هو مَن يغضب على أخيه باطلًا. صحيحٌ أنّ المؤمنين تحرّروا من النّاموس، لكنّ الرّبّ يسوع دعاهم بالمقابل إلى مستوى من القداسة أعلى جدًّا ممّا فهموه هم من الناموس.
مشروع الرب لحياتنا كبير ومميّز، فهو لم يخترنا ويمُتْ لأجل خلاصنا، ليحوّلنا إلى قِطَع ديكور. كلّ قدّيس هو جوهرة رائعة الجمال وعضو في جسد الرب، وللرّب تصوّر عظيم لحياتنا. يجب أن لا نرضى بأن نحيا على الهامش. يجب أن نؤمن أن الرب أعدّ حياةً فيّاضة لنا، وبالتالي نصدّق وعود الرب ونطالبه بها “لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ” (2 كورنثوس 5: 7)، إذ بالإيمان نرى ما أعدّه لنا الرب.