الرب صالح وكثير الرحمة وقد أوصانا أن نكون رحماء كما هو رحيم ووعد ببركات خاصة لمن يفعل ذلك “طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون” (متى5: 7). كثيرة هي الأسباب التي تدفع المؤمن لممارسة الرحمة؛ صفات الله، طبيعة المسيحي الروحيَّة الجديدة، الإيمان العامل، وحاجة الناس. لذلك يجب على المؤمنين أن يحرصوا على عدم إهمال مساعدة المساكين والفقراء، لأن هذا هو من جوهر تعاليم كُل الكتاب المقدس “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (لا 18:19)، والذي أعاد وشدَّد عليه يسوع مبينًا أنّ محبتنا لله والقريب هي خلاصة الوصايا والشرائع الأدبيَّة في العهد القديم. فالرحمة ليست مشاعر تعاطف وشفقة مرتبطة فقط بالإنسان الآخر، بل هي عمل المحبة الصادقة للجميع “فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ” (رومية 20:12)، لأنها مرتبطة أولًا بما في الداخل وهي أحشاء المسيح.
بينما يمارس الناس هذه الأعمال الصالحة قد يتحوَّل البعض تدريجيًا عن إتمام هذه المهمة السامية كما يجب. فلكي نتجنَّب الإنحراف عن خطة وترتيب الله وقبل الانخراط في الأعمال الإجتماعيَّة الخيريَّة، يجب التأمُّل مَلِيًّا والإجابة على بعض الأسئلة الضروريَّة. ليس الهدف من هذه الأسئلة هو أن تردع المؤمن عن العمل الخيري أو الاجتماعي، بل الهدف منها هو إعادة تصويب الأمور وحماية وتحصين العمل الإجتماعي من الأخطاء والأهداف التي لا تُمجِّد الله. هذه الأسئلة موجَّهة فقط للمُخلصين وليس لمن يستخدمون العمل الاجتماعي الخيري لتحقيق مكاسب شخصية، أكانت ماديَّة أم معنويَّة، لأنه بالتأكيد لا يعني لهم هذا الأمر شيئًا.
ما هي الحاجة الأولى والأهم لكل شخص يعاني من ضائقة ما؟ هل يجب أن نضع ذلك في الإعتبار، وهل ينعكس هذا المفهوم بوضوح في عملنا الإجتماعي؟
ما هو الهدف الأول لكنيسة المسيح، وما هي ومأموريّتها العُظمى؟ هل من الممكن، وبدون قصد، القيام بأشياء صالحة أخرى تصرف تركيزنا وجهودنا عن هذا الغرض الأول والأهم؟ كيف يمكننا المحافظة على التركيز والمُتابعة في الحفاظ على الأولويّات؟
ما هي الدوافع الداخليَّة لأعمالنا الخيرية؟ تلميع صورة الله، تلميع صورة الكنيسة، الدعاية، الشهرة، كسب المحبة، أم المحبة الخالصة؟ هل يمكننا اكتشاف هذه الدوافع وهل هي مهمة ومؤثرة على العمل نفسه؟
هل هناك أيَّة مبادئ مُحدَّدة في الكتاب المقدس لممارسة العمل الخيري الإجتماعي؟
هل هناك حدود لمدى مشاركة الكنيسة في القضايا الاجتماعية، إذ هي كثيرة وواسعة وتتطلَّب الكثير من الجهد والوقت؟ هل من واجب الكنيسة أن تنخرط بها كلها؟
ما هو الفرق بين العمل الاجتماعي والسياسة؟ هل يمكن للسياسة في بعض الأحيان أن تقود العمل الاجتماعي وتَستغلُّه؟
هل من الصواب أخلاقيًّا الاستفادة من معاناة الناس لكسب ودِّهم وولائهم قبل تقديم المسيح لهم؟
هل من الصواب أخلاقياً وكتابياً عرض احتياجات الناس ومعاناتهم والترويج لها بشكل واسع وعلني لتأمين دعم أكثر لهم، إذ ان الرب قد أوصى “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ” (متى 3:6)؟
بماذا زوَّد المسيح تلاميذه قبل إرسالهم في المهام التبشيرية؟
هل سلَّم الله مهمّة مكافحة الظلم والفقر للكنيسة للتحضير لعودته، أم هو سيفعل ذلك بنجاح كامل ومُطلق عند عودته الثانية وتأسيس مملكته على الأرض؟ بمعنى آخر، هل تملك الكنيسة الحلَّ أم الرجاء؟
هل يمكن للعمل الاجتماعي، ولوعن غير قصد، أن يعزِّز الرجاء في مؤسَّسة ما أو شخص ما غير المسيح؟
هل يمكن لجهودنا في جمع التبرعات للعمل الاجتماعي في بعض الأحيان أن تحلّ مَحَل صلواتنا واتكالنا على الله؟
منذ البداية مارست الكنيسة الأولى أعمال الرحمة وكانت توزِّع على الأرامل والأيتام والمحتاجين المعونات بما تيسَّر. منذ البداية عَلَّمت الكنيسة الاولى أن الإيمان بدون أعمال هو إيمان ميت وأن الأعمال تُظهر حقيقة الإيمان. إن لم تنتبه الكنيسة لكيفيَّة ممارسة العمل الخيري والإجتماعي بحسب تعاليم الرب وإن لم تمتحن دوافعها وأساليبها، لن تُقدِّم أكثر من راحة وقتيَّة قصيرة لنفوس ثمينة ذاهبة في طريقها إلى عذاب أبدي، ولن تكون إلّا مؤسَّسة أخرى تعمل في عالم مُظلم بدون رؤيا. أمّا الرؤيا فليست مجرَّد خطة أو تصوُّر واضح مرسوم من قيادة ما، بل هي أن يكون يسوع المسيح هو الكُل وفي الكُل، في بداية العمل وأثنائه وحتى نهايته “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ” (رو 36:11). أخيرًا وليس آخرًا، من يجب أن نرى عندما نمارس الرحمة؟ “لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ” (متى 35:25-36).
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث