المسيحيَّة والصليب

إحتقر اليهود والأمم الصليب. فاليهود رأوا فيه لعنة الله الحالَّة على صاحبه والأمم رأوا فيه الخسارة والضعف، فكان الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الآخر. تحدَّى الرسول بولس هذه المفاهيم وتلك الخَلفيات وأصَرَّ في كِرازته على إبراز يسوع المصلوب أولًا، “لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبا” (1كورونثوس22:1و23). رغم أنَّ الصليب كان مرفوضًا إجتماعيًا وغير مُرحَّب به مَنطِقيًا، إلا أنَّ بولس إستمَّر يالأسلوب نفسه ولم يُغَلِّف الإنجيل بقوالب أكثر إنسجامًا وأكثر قبولًا. يوجد الكثير لنقوله عن المسيح وعن عجائبه وتعاليمه وحياته السامية، إنَّما كلمة الصليب، كما وصفها في الرسالة ذاتها، هي قوة الله. عندما يُستعاض عن قوة الله بحكمة وحنكة البشر، تأتي النتائج بشريّة وقتيّة غير أصيلة. بعض الجماعات مُنشَغِلون في كيفيّة إزالة أي عثرة وأي جهالة من المسيحيّة بينما القوة موجودة في الحق الكامل. فعندما واجه بولس الإنتقادات والتشكيكات بخدمته ورسالته من البعض في كنيسة كورنثوس إذ اتّهموه أن مسيحيّته وإنجيله، إضطرَّعلى أن يكتب لهم ليوضّح ويشرح ما هو مضمون الإنجيل الصحيح الذي هو متمسّك به وقد سمَّاه إنجيل مجد المسيح. إنَّ نجاح المسيحيّة لا يقاس بأعداد الناس الذين سَمعوا رسالتها وقبلوا دعوتها. لقد وصف الرسول نتائج خدمته المختلفة بناء على إختلاف من يسمعها، “لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ لِلَّهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ لِلَّهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ.” (2كورونثوس 15:2). لهذا لم يفشل رغم رفض واضطهاد واعتراض الكثيرين على إنجيله وحكمهم عليه أنه إنجيل ضعيف بسبب الإنقسامات التي أحْدَثها في كل مكان كرز به. هو لم يجد أنَّ هذا يشكك بصحة الإنجيل بل على العكس يؤكد بُعْدَه الأكبر، “لَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ” (2كورونثوس 3:4). يوجد مسيحيّة مزوّرة هدفها مجدها الشخصي، مصلحتها، تقدّمها، وتوسيع دائرة علاقاتها وجعل نفسها نجمة هذا العالم وسيّدته الجميلة. فهي تساوم على الحق لأجل رضى الناس. أصحيح أنَّ المؤمنين مدعوون حتى يُرفِّهوا عن العالم أم مدعوون لينادوا بالخلاص للعالم وذلك بالخروج من نظامه الفاسد وعدم الإشتراك بخطاياه؟ هل أنهم مدعوون أن لا يُغيظوا أحدًا برسالتهم وأن لا يزعجوا أحدًا بمواقفهم ومبادئهم؟ “أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلِ انْقِسَاماً. لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الاِبْنِ وَالاِبْنُ عَلَى الأَبِ وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا.” (لوقا 51:12-53). إنَّ المسيحيّة تنجح بتَمَسُّكها بالمسيح المصلوب وبأمانتها لرسالته وبتسليمها لخطّته وإعتمادها أسلوبه وإنتظار نتائج عمل نعمته في البشر.

Share the Post:

other articles

نجاح رُغم الإخفاق

أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث

Read More

أمراض القلب

تُصَنَّف الكثير من الأمراض، التي ليست عُضويَّة في طبيعتها، على أنها “نفسيَّة”، فتُعالج خطأً بالوسائل الطُبيَّة عبر الأدوية أو الإرشادات

Read More

لماذا خلقَنا الله؟

هل يحتاج الله لمن يُحبه ولمن يعبده؟ وجود الحاجة يعني وجود النقص. إذا كانت عمليَّة الخلق هي لتأمين الشركة مع

Read More

CONTACT

WORKING HOURS

Join THE SOCIAL CIRCLE

Get updates on special events  & added information