لفترة طويلة كنت أظنُّ أنَّ من ينسى الله هو إنسان بعيد كل البعد عن الله وأموره، مُلحِدٌ بالممارسة أو غير مهتم بكل الموضوع عامة. ليس بالضرورة أن يكون الرفض أو العداء لله سبب عدم الإهتمام، بل ببساطة قد يكون نتيجة فُقدان الأمل من امكانية الوثوق بحقيقة وجوده وإمكانية التواصل معه. لفترة طويلة كنت أظن أن هؤلاء فقط يُمَثِلون فئة “الناسون الله” من البشر، حتّى توضَّحت لي الصورة أكثر أثناء دراستي للكتاب المقدس، واكتشفت أن هذه الفئة تضم الكثير من المُتدينين على أنواعهم، العابدين والمُصلين الذين يندرجون تحت فئة “المؤمنون”.
ينسى الله من يظن أنَّه إلاه يتغاضى عن التفاصيل الصغيرة والثانوية في الحياة، وأنه لا يهتم إلاَّ للأمور الكبيرة الأساسيَّة. يؤكِّد الكتاب المقدس بأنَّ الله سيُحاسب الإنسان على كُل عمل وعلى كُل فكر وعلى كُل كَلِمة. هو لا يتغيَّر، أطهر من أن ينظر الشر، ولن يقترب منه إلا المُستقيم. لا يَنسى شيئًا، بل مُدَوَّن عِندَه في الأسفار كُلَ شيء. إذا قَبِلَ العبادة والعطايا والأعمال الحسنة عِوَضًا عن الإستماع إليه وإطاعة وصاياه، يكون قد قبل رشوة رخيصة. يقولون عنه “عقله كبير ومُتفَهِّم”، وينسون إعلانه عن قداسته ومشيئته وكرامته التي لا حدود لعظمتها. هو يقول بوضوح للإنسان المُستهتر “مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ التَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلاَمِي خَلْفَكَ … هَذِهِ صَنَعْتَ وَسَكَتُّ. ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ. أُوَبِّخُكَ وَأَصُفُّ خَطَايَاكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. افْهَمُوا هَذَا يَا أَيُّهَا النَّاسُونَ اللهَ لِئَلاَّ أَفْتَرِسَكُمْ وَلاَ مُنْقِذَ.” (المزمور 16:50-22). ينسى الله من يتجاهل غضبه ولا يتذكَّر إلا محبَّته وفداءه وغفرانه. من يُلام على النسيان أكثر، البعيد أم القريب؟ ألا يتكرر الحديث في النبوات عن غضب الخروف والحمل! ألم يتكرر مشهد النسيان هذا كثيرًا بين الله وشعبه “لَمَّا رَعُوا شَبِعُوا. شَبِعُوا وَارْتَفَعَتْ قُلُوبُهُمْ لِذَلِكَ نَسُونِي. فَأَكُونُ لَهُمْ كَأَسَدٍ. أَرْصُدُ عَلَى الطَّرِيقِ كَنَمِرٍ.” (هوشع 6:13-7). إلهنا لا يقبل بأقل من الطاعة والإتّباع الحقيقي ومحبة من كل القلب. لم يأتِ من السماء ليفتدي المُرائين المُدَّعين المُزيَفين، بل المساكين الصادقين التائبين. لم يأتِ ليكون ضيفًا أو مستشارًا أو زعيمًا، بل جاء ليكون مخلِّصًا لشعبه من خطاياهم، ومُغَيّرًا لحياتهم. جاء ليحرر من عبودية الخطية ويعطي قدرة على حياة التقوى والبر.
الشيطان يكمن في التفاصيل، والله قريب ويتكلم ويُسمع صوته لمن يرغب. أولاده عزيزون عليه، فحتَّى شعور رؤوسهم محصاة عنده. هو مع شعبه كُل الأيام كما وعد، لكن المُشكلة هي ماذا يفعل هذا الشعب وماذا يقول، “هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءٌ زِينَتَهَا أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّاماً بِلاَ عَدَدٍ.” (إرميا 2:32).
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث