بالإجمال، يحظى الجسد بعناية لا بأس بها بينما يُترك القلب للتفاعُل مع مرارة الأيام وقسوتها. فما يُصيب الجسد له علاجات مُتنوعة، والأمور الأكثر مرارة والأشد قسوة تزول عند خلع الإنسان خيمته. أمَّا القلب المُهمل بأسراره الدفينة وآلامه الكثيرة هو بذاته الهوية والتاريخ. هذا القلب هو القصة الحقيقيَّة الكاملة، حيث أنه يحتوي على الكثير مِمّا لم يُكتب ولم يُسمع. فالقلب بالمعنى الكتابي يشير إلى الذهن ويشمل العواطف والإرادة، ومن ثمّ الكيان الداخلي بكامله. إذن، ما يحدث داخل نفوسنا، أخطر بكثير ممّا يحدث من حولنا.
هل يتعب ويشيخ هذا القلب في رحلة صغيرة بالزمن لكنها غنيَّة بالألم؟ هل يتأذى وهو يبحث عن الراحة في عالم مليء بالكراهيَّة والخيانة والأنانيَّة؟ أجل إنَّ القلب هو الأكثر تضَرُّرًا في رحلة الحياة رغم أنه قد لا يَظهر ذلك بالعَلَن. قد يتحطَّم لدرجة قد يمنع فيها العيون من أن تبكي لأنه من دون مصدر المياه تجف الينابيع. يقول سليمان الحكيم عن القلب أن “مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.” (أمثال 23:4). فوجع القلب هو عتمة هذه الحياة. ومهما أنجز أو إمتلك الإنسان، قلبه يحتاج للأجوبة وللحب.
بما أنَّ الجروح كثيرة والأيام الباقية قليلة، من الذي سيُغيِّر قصة الإنسان الكئيبة؟ ما الذي قد يجب أن يحدث حتى تُكتب لقصة إنسان نهاية لا تكون كالبداية المليئة بالحَيرة والأخطاء الكثيرة المُرافقة؟ جاء المسيح يقول “أنا هو الحق”، أي أنَّه يمتلك أجوبة لأصعب الأسئلة بل انه الجواب والحل الذي يفي بالغرض. جاء يقول للمُتعبين والثقيليّ الأحمال “أنا أُريحُكم”. جاء كما قال خصيصًا للخطاة والأشرار والساقطين الذين بحثوا عن الحب وخُدِعوا، وللفقراء والمساكين والمتروكين الذين بحثوا عن الحبّ ولم يجدوه. لم يَضع أحمالًا ثقيلة ولا نواميس عسيرة، بل سار وحده وقَدَمَ نفسه وأكْمَلَ عَمَلَه. إنَّ القلب المكسور لا يشفيه إلَّا الحقيقة والحُبّ الصادق، ولا يُضرِم الحياة في القلب الحجر إلا الحُب الذي لا يموت. لذا مضمون دعوتُهُ َ “يا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ” (أمثال 26:23)، تؤكِّد عِلمه بحاجة الإنسان الأولى للمعرفة والحب إذ هي تتوجَّه إلى القلب مباشرة، مَكمَن المشكلة.
لا راحة بلا إجابات عن سبب الضيقات والآلام في هذه الحياة. أيضًا، لا راحة بدون إختبار الحبّ الحقيقي الذي هو أقوى من كُل التجارب وحتى الموت. فالحبّ الثابت يشفي القلب من جراح الأحزان والشكوك والتعب. أيُّ يَدَين قديرتين تستطيعان أن تُقدِّما هذه الراحة؟ لا يوجد إلا اليدان المفتوحتان والمثقوبتان.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث