تكثر الإختبارات التي فيها يظهر المسيح في حلم أو رؤيا داعيًا صاحبها للثقة به وإِتَّباعه. مِمَّا لا شكَّ فيه هو أنَّ يسوع المسيح قادر أن يَظهر لمن يشاء ومتى يشاء، لكن هل هذه هي الوسيلة المُرتَّب لها من الله لكي يُوصل رسالة الإنجيل ويُعلن عن حقيقة شخصه؟ أليست البشارة هي مسؤولية الرُسل والذين أتوا بَعدَهم؟ أليس الروح القدس الذي وعد يسوع شخصيًا بإرساله للعالم بعد صعوده، هو المنوط بهذه المهمة؟ هل تقوض هذه الظهورات إلى إضعاف سُلطة الكتاب المقدس، الحق المُعلن والثابت؟
من ناحية أخرى، هل يوجد ما قد يمنع الرب من أن يفعل ذلك في حالات نادرة وخاصة كما فعل سابقًا مع شاول الطرسوسي وغيرهم؟ ألم يستخدم الرب في تاريخ علاقاته مع سكان الأرض الرؤى والأحلام أحيانًا ليوصل رسائل معينة؟ أليست هذه الوسيلة هي ضرورة في بعض الأماكن الصعبة ولبعض الاشخاص من بيئات معادية ممنوعة فيها بشارة الإنجيل؟ يقول أيضًا بعض الدارسين أنَّ هذه الظهورات هي ليست البديل لرسالة الإنجيل إنما تعمل فقط للتحضير لها ولتوجيه صاحبها لرسالة الخلاص، كما حصل مع كرنيليوس الذي ظهر له ملاك الرب ووجَّهَه نحو لقاء بطرس الرسول.
ليس الموضوع سهلاً أبدًا بل هو خطير. لا يكفي أن نتغاضى عن الوسيلة ونهتم بالنتيجة فقط لأن للوسيلة تأثيرًا على كل المسيرة، كما أن البداية فيها الكثير من أسرار النهاية. إنَّ المسؤوليّة تقتضي بأن نمتحن ونميَّز ما هو من الله وما هو ليس كذلك. المضمون الجيد لأي رسالة لا يكشف أو يُثْبِّتْ شيئًا عن هوية صاحبها وخصوصًا لمن لا يعرف مضمون الإنجيل أصلًا، لكي يقارن به. حتى الذين يؤمنون بإمكانية حدوث هذه الظهورات لا يُنكرون قُدرة خيال الإنسان وعقله الباطني وحتى تَدَّخُّل عالم الأرواح الشريرة على إبتداع ما يُشبه الحقيقة. لذا وفي أقل تقدير وأعلى إيجابية على الإنسان أن يتنبَّه ويميز ما يحصل. وما قد يكون نادرًا وإستثنائيًا جدًا لا يُعقل أن يكون نمطًا جديدًا للبشارة.
ما يدعو للقلق ليس بقليل، إذ لا ولن تتوقَّف هذه الظهورات على قيادة الشخص المعني لمعرفة يسوع الفادي بل كثيرًا ما تتعدّاها لتشمُل رسائل وتشجيعات وإعلانات ونبوات آتية من ما هو مفترض أن يكون يسوع إبن مريم، وحتى ولو عَرَّفَ عن نفسه أنًّه عيسى أي بغير إسمه الحقيقي. ما يدعو للقلق هو أنَّ هذا يعني أنَّ الروح القدس في هذا التدبير لا يكفي لجلب الخِراف الأُخر للحَظيرة الواحدة والراعي الواحد كما فعل مع بقيّة الخِراف من كل قبيلة وأمّة. ما يدعو للقلق هو الإعتقاد بأن الكنيسة جسد المسيح بإرساليتها وبشارتها ومواهبها قد فشلت بإكمال المهمة مِمَّا يُحَتّم على الرب التدخل مباشرة ومرة أخرى ليُبهِر ويُقنِع، وهذا ما لم يفعله أصلاً حتى عندما كان على الأرض.
إن كان من غير المؤكد عند الكثيرين الحكم على هذه الظهورات وعلى صِحَتِها، من المؤكد أن الكتاب المقدس يدعونا للإيمان بكلمة الخبر القادم بواسطة أقدام المبشرين كما وضَّحَ ذلك الرسول بولس في رسالته إلى كنيسة روما. وكلمات الرب يسوع المسيح نفسه لتوما هي أيضًا دعوة صريحة لذلك “طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يوحنا 29:20). ففي عالَمٍ قد وضع في الشرير ومَليء بالغش والكذب والضلال، علينا أن نتنبَّه إذ عندنا الكلمة النبوية وهي أثّبت إن إنتبهنا إليها.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث