يشغل بال بعض المجموعات الدّينيّة، في هذه الأيّام، موضوع الشّفاء من الأمراض الجسديّة من دون الشّفاء من مرض الخطيّة، ممّا يُسبّب لغطًا كبيرًا لدى المراقبين. ويتساءل الإنسان، ما كان موقف الكنيسة الأولى من الموضوع؟ أمّا مَن يدرس سفر أعمال الرّسل فيجد أنّ تلاميذ المسيح قد ركّزوا بشارتهم على خلاص النّاس، مُعلّمين أنّ الخطيّة هي العلّة الأساسيّة للبشر، لا المرض الجسديّ. نادى الرّسول بطرس في بداية خدمته: “توبوا وارْجِعوا لِتُمْحى خَطاياكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أوْقاتُ الْفَرَج مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ” (أعمال 19:3). وبهذه الكلمات نرى أنّه كان يُعلِّم أنّ الشّفاء الحقيقيّ هو الشّفاء من الخطيّة عبر التّوبة والإيمان. وتتناسب كلمات الرّسول هذه مع دعوة الرّبّ في القديم: “لِيَتْرُك الشّرّير طَريقَهُ، ورَجُلُ الإثْمِ أفْكارَهُ، ولْيَتُبْ إلى الرَّبّ فَيَرْحَمَهُ، وإلى إلهِنا لأنّه يُكْثِرُ الْغُفْران” (إشعياء 7:55).
أمّا مبشّرو الشّفاء العجائبيّ المعاصرون، فيُروِّجون أنّ الشّفاء الجسديّ هو استجابة حتميّة لصلوات المؤمنين، وهو ثمر محبّة الله ومشيئته الصّالحة من نحوهم! وإن كان هناك بعض الصّحّة في هذا التّصريح، إلاّ أنّه يغفل عنهم أنّ الله، بحكمته، يعلم متى يجب أن يحصل الشّفاء ومتى لا يحصل. أمّا نحن فعلَيْنا أن نصبر مُصلّين ومُستعدّين لتمجيده، في المرض أو في الصّحّة، حيث الانتظار قد يعمل على شفائنا من أمور أخرى غير منظورة.
حتّى في أيّام الرّسل، لم يكونوا يُبرأون في كلّ مرّة كانوا يُصلّون فيها. هذا بولس الرّسول لم يتمكّن من شفاء نفسه، ومن شفاء تلميذه تيموثاوس الّذي أوصاه بمعالجة أسقام معدته، ولا من شفاء أخ مريض، “…تُروفيمُس فَتَرَكْتُه في ميليتُسَ مَريضًا”. ونسأل: هل كان بولس قليل الإيمان، أو أنّ لله أسباب لعدم استجابته الصّلوات من أجل شفاء المرضى؟
بالطّبع، الله قادر على أن يجترح عجائب شفاء في أيّ وقت. ولقد وعد يسوع، “وهَذِه الآياتُ تَتْبَعُ الْمُؤمِنين… ويَضَعون أيْديهِم على المرْضَى فيَبْرأون” (مرقس 17:16-18). إلاّ أنّ درس النّص بتمعّن يُرينا أنّ العجائب كانت تتبع المؤمنين، ولم يكن المؤمنون يسعون لها! فإنْ شاء الرّوح القدس أن يجترح عجيبة، فكان يقوم بذلك. أمّا عمله الأساسيّ في حياة الإنسان فكان في اقتياده إلى التّوبة عن الخطايا، “ومَتى جاء ذاكَ (الرّوح القدس) يُبَكِّتُ الْعالَم على خَطيَّةٍ وعلى بِرٍّ وعلى دَيْنونَة” (يوحنّا 8:16). وأدركت الكنيسة الأولى، أنّ عجائب الشّفاء، كما سائر المواهب الفائقة (كالنّبوّة والتّكلّم بألسنة وغيرها)، كانت لزمن تأسيسيّ وليست بالضّرورة لكلّ الأزمنة (1كورنثوس 15: 8-10). ولتلك العجائب هدف وقصد، وهو أن تُدعِّم الرّسالة النّبويّة وتزيدها سلطانًا.
عندما ندرس عجائب موسى وإيليّا والمسيح والرّسل نُدرك أكثر، أهمّيّة المراحل الّتي جاؤوا فيها، والهدف من عجائبهم الّتي لم تكن تُسبّب تشويشًا روحيًّا عارمًا ولم تكن تُستغَلّ للاستعراض والتّأثير النّفسيّ أو الرّبح المادّيّ… وحتمًا، لم تكن تضرب بشارة التّوبة والإيمان بيسوع للخلاص من الخطايا. لقد كانت تلك العجائب عجائب حقيقيّة لأمراض مُستعصِيَة، تشهد لإله عظيم يُعلِن ذاته سيّدًا على الطّبيعة والنّاس، أمّا الّذي نُشاهدُهُ اليوم فيركّز على شفاءات وهميّة لـِ “أمراض” غير ملموسة تُبعد النّاس عن يسوع وعن إنجيله. أمّا اللّبيب المخلِص، فيترك تلك الظّواهر العابرة ويتمسّك بإنجيل الخلاص الأزليّ.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث