منذ أكثر من ألفي سنة، إتّفقت المجتمعات والسلطات المنبثقة عنها على معاداة الإيمان المسيحي التقوي ولو بأشكال ومستويات مختلفة كما تنبّأ المسيح بالتمام منذ البداية. فما زالت الإحصاآت اليوم تشير إلى أنَّ المسيحيّة الكتابيّة ما زالت هي أكثر جماعة مضطهدة في العالم رُغم إدّعآت كثير من الدول بأنها ذو طابع مسيحي. هذا الرفض سبّب تراجع الكثيرين تحت وطأة الإضطهاد. آخرون إختاروا أن يتبعوا المسيح بالسّر ومن دون أيَّة مواجهة مباشرة أو ظاهرة، فلا نعرف كيف ومع من سينتهون. وللأسف عدد كبير آخر يساوم عبر تغيير الأولويات التي حدَّدها المسيح فيقوم بالتركيز على بعض الأمور الإجتماعية والأخلاقية التي تجعلهم مقبولين وشركاء فاعلين غير مزعجين في العالم. فهُم يتغاضون عن مضمون الإنجيل الكامل ووصايا الرب الكثيرة التي تضعهم في صراع مباشر مع ثقافة هذا الدهر. لكن المطلوب هو بديل لكل هذه الخيارات لمن يريد إتباع المسيح كما يجب. فمن يريد التحدّي، عليه أن يتخلّى عن رضى الناس ويستعدّ لمعارك طويلة، مُكلفة، وخطرة، كما عليه أن يستعدّ لإقتناء عِدَّةِ مواجهة حقيقيَّة.
أولًا، من يتبع المسيح في عالم مُعادٍ عليه أن يكون صاحب خيارات صحيحة. إستعداد لحمل الصليب قبل الراحة. إستعداد لدفع الثمن لا قبول رشوة. من يتبع المسيح هو صاحب خيارات مبنيّة على كلمة الله المُعلنة، الواضحة، والمُحدَّدة. هذه الخيارات لا تقبل رفض المشاركة بالشرور، بل تُصر على المواجهة والمصارحة وتقديم العلاج الأول والأنجح وهو الكرازة بالإنجيل. ثانيًا، من يتبع المسيح عليه أن يمتلك قناعات راسخة وبعيدة عن التحجّر أو التخلّف أو التعصّب، كونها تعبيرًا طبيعيًا عن إيمان ثابت مبني على تصديق كلمة الرب النقيّة. إنَّ طبيعة الله وصفاته لا تتغيَّر كما أنَّ طريق وباب الخلاص لا يتوسَّع. ففي حين أنّ قناعات العالم تتطوّر وتتبدّل لكن قناعات الإيمان فهي تُسَلَّم وتُحفظ. ثالثًا، من يتبع المسيح عليه أن يتسلّح بأشواق مقدسة. شدَّد المسيح على المحبّة من القلب ومحبّة من كل القدرة لأن من دون هذا النوع من المحبّة ستكون محبة العالم أقوى فتجذب وتخدع وتقتل. رابعًا، من يتبع المسيح في عالم مُعادٍ عليه أن يتحلّى بالشجاعة. في الحروب يوجد خاسرون وغالبون ولا مكان للمحايدين. فمن يضع يده على المحراث لا يلتفت إلى الوراء، والمحبّة الشديدة تطرد الخوف. لن يتغيّر العالم إلى الأفضل بل سيزداد شرًا وفسادًا. لقد حذَر يسوع وقال: “من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرِّق” (لوقا 23:11).
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث