كتب الرّسول بولس إلى أهل تسالونيكي مؤكّدًا أنّه قبل مجيء الرّبّ يسوع ثانيةً سيتم خداع الكثيرين عبر رفض الحق وتصديق الكذب، وهذا ما سمّاه عمل الضّلال، “وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ.” (2تسالونيكي 11:2). فالشّيطان الّذي يعمل، كما وصفه في نفس الرّسالة، بكلّ قوّة وبآيات وعجائب كاذبة وبكلّ خديعة الإثم، يُضِل النّاس ويقدّم لهم ما هو شبيه بالحق. يتمحور عمل الضّلال هذا حول التّركيز على بعض النّواحي الخاصّة البعيدة عن موضوع الخطيّة. إذ إنّه يُبعد الإنسان عن الهدف الحقيقي وهو الخلاص من الخطيّة، فيُحَوّل نتائج الحياة مع الرّبّ إلى أهداف.
التّركيز على الشّفاء الجسدي
إنّ إبليس يعمل لكي يجعل تركيز العالم على شفائهم من أمراضهم الجسديّة من دون شفائهم من مرض الخطيّة. فطَلَب الشّفاء الجسدي من يسوع دون الشّفاء الرّوحي والتّحرّر من سلطة الخطيّة لا يُزعج إبليس بشيء. لقد أدرك الرّسول بطرس في بداية خدمته الكَنَسيّة هذه الحقيقة، “فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ.” (أعمال الرسل 19:3). كان يعلم أنّ حربنا غير المنظورة هي ضدّ الخطيّة والّشفاء الحقيقي هو الشّفاء من الخطيّة عبر التّوبة والإيمان. لذلك نجد أنّ الّذين يركضون لسدّ حاجاتهم الجسديّة هم كُثر ولكن الّذين يجدون الشّفاء الرّوحي الدّاخلي هم قلّة.
إنّ تعليم الرّبّ الدّائم عبر التّاريخ هو أنّ الشّفاء يحتاج إلى غفران والغفران يحتاج إلى رجوع وتوبة، وهذه هي مشكلة ومرض الإنسان، “لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ.” (إشعياء 7:55)، “فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ فَإِنِّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ.” (2أخبار الأيام 14:7). وعندما كتَبَ الرّسول بطرس ليحث المؤمنين على الخضوع للسّلطات وتحمّل الألم نتيجة لذلك وأعطى يسوع كمثال كتَبَ التّالي، “الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ.” (1بطرس 24:2). فقد شُفينا من ضلالنا عندما رجعنا إلى الرّبّ الّذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الصّليب.
ألَم يوضح لنا الرّبّ أنّ الخطيّة تعيق العلاقة بيننا وبينه، “إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ.” (المزمور 18:66)، “لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا.” (إشعياء 12:59).
إنّ الشّفاء الجسدي إذا تم هو ثمر محبّة الله وقدرته الفائقة ومشيئته الصّالحة من نحونا. والله بحكمته يعلم متى يجب أن نحصل عليه ومتى لا يجب. فعلَيْنا أن نصبر مصلّين ومستعدّين أن نمجّده في الشّفاء أو في عدمه، حيث قد يعمل هذا لشفائنا من أمور أخرى غير منظورة. في رسالة بولس الرسول إلى تيموثاوس نرى كيف أنه لم يستطع أن يشفي أخًا مريضًا، “أَرَاسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْثُوسَ. وَأَمَّا تُرُوفِيمُسُ فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضًا.” (2تيموثاوس 20:4). عندما تبتعد أنظارنا عن كفّارة المسيح ودمه الّذي يطهّر من الخطيّة، إلى الصّحّة والشّبع، فهذا بالتّأكيد هو عمل الضّلال. هل يتراءى الرّبّ ويغضّ النّظر عن الخطيّة؟ عندما استهان أولاد عالي الكاهن بتقدمة الله، حجب وجهه ولم يعُد يتراءى إلاّ بعد مجيء صموئيل وإعادته الاعتبار لكلام الله ووصاياه، “وَكَبِرَ صَمُوئِيلُ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ كَلاَمِهِ يَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ. وَعَرَفَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ أَنَّهُ قَدِ اؤْتُمِنَ صَمُوئِيلُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ. وَعَادَ الرَّبُّ يَتَرَاءَى فِي شِيلُوهَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْتَعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.” (1صموئيل 19:3-21). إنّ عمل الرّوح القدس الأساسي في حياة الإنسان يظهر بموقفه من الخطيّة إذا تَبدّل داخله، وليس عبر تعبير عاطفي لا يُثبّت شيئًا، “وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ.” (يوحنا 8:16).
التّركيز على الآيات والعجائب
بالطّبع يوجد آيات وعجائب من صنع الله القدير. ويقول الكتاب عنها، “وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ” (مرقس 17:16). لكن لا يقول الكتاب أنّه علينا نحن أن نتبعها بل هي تتبعنا لأنّه يوجد ما هو من صنع الله وما هو من صنع إبليس، “الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ.” (2تسالونيكي 9:2). فهي نتيجة وليست وسيلة أو إشارة لنميّز بها عمل الله ونتبع ما يُرافقها من تعاليم وممارسات غريبة، عالمين أيضًا أنّها قد تُقدَّم بشكل يُشبه الحقيقي وليس بالضّروري ضدّه، “وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!” (2كورنثوس 14:11).
فلِكُلّ عجيبة أو آية هدف وقصد، وهذا هو الّذي يُظهر المصدر. فعندما ندرس عن موسى وإيليّا والمسيح والرّسل نُدرك أكثر، أهمّيّة المرحلة والهدف من تلك الآيات والعجائب. لم تُستخدم مرّة كوسيلة للبشارة أو الإستعراض أو لردّ الناس للإيمان “جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.” (متى 4:16).
وإذا قارنّا ما يحصل اليوم بما صنعوه هؤلاء الأنبياء والرسل القدّيسون، نجد أنّ الفرق شاسعٌ وعلينا أن نَتَنَبّه له. فالبعض من الآيات والعجائب لا يرافقه تعليم عن الخطيّة والتّوبة والغفران، والبعض الآخر يؤدّي إلى فوضى عارمة، والبعض يُستخدم للاستعراض والتّأثير النفسي، والبعض أيضًا لتجارة المال. نرى أيضًا أنّ العجائب الحقيقيّة تَشمُل جميع الأمراض وحتّى العضويّة منها، بينما الذي نُشاهدُهُ اليوم يتركّز على أنواع غير عُضويّة يستطيع إبليس أن يعمل بسهولة من خلال الخداع بها إذ هي ليست ملموسة، وذلك لإبعاد النّاس عن يسوع وعن إنجيله، “إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا».” (غلاطية 6:1-8).
إنّ الآيات والعجائب الكاذبة هي ليست لتثبيت الإعلان الإلهي المكتوب بل لإبعاد النّاس عنه، وهي ليست لتمجيد المسيح بل النّاس، وهي ليست لتقديم الرّحمة بل دائمًا يرافقها طلب وتشديد على التّبرّعات والسّخاء في العطاء. هذه الظواهر تساعدنا على التّمييز بين الأصيل والمزيّف بناءً على قاعدة كلمة الله، “فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا.” (2تسالونيكي 15:2).
حتى لا نُخدع كالكثيرين، لا الشفاء الجسدي الذي لن يدوم طويلاً ولا تحدّي قوانين الطبيعة التي لن تأتي بفوائد روحيّة لنفوسنا هما دليلنا إلى الحق. على العكس، علينا أن نَتَنَبّه من تلك المظاهر ونمتَحِنَها على ضوء الحق المُعلن والمكتوب، على ضوء كلمة الله التي تدعونا للمسيح لا إلى عجائبه والتي تدعونا إلى محاربة الخطية لا المرض.