بسبب نقص المعلومات والمُعطيات لدينا، صعب أن نُحدّد هدف الله أو الغاية التي هي وراء سماحه بوجود الشر بالمُطلق. ليس لحدوث الشر سبب واحد، كما أنه ليس للشر نتيجة أو غاية واحدة فقط. فالكلام بالعموم عن الشر والسماح به يفتقر كثيرًا للدقّة. قد يكون الشر حَصاد زرع قديم، أو نِتاج الحرب الروحيَّة مع الشيطان أو تأديب أو إمتحان … إلى ما هنالك من أمور أخرى متنوِّعة. أيضًا، قد لا تقتصر نتائج الشر على أمور سيئة فقط بل قد تتخطَّاها إلى أن تجعل الإنسان أحيانًا يتواضع أو يقترب إلى الله أو يتَطَهَّر أو يُبغض العالم، الى ما هنالك من فوائد مختلفة أخرى. فقد يختلف مصدر الشر كما قد يختلف الهدف منه، إنَّما يبقى الله هو السيِّد عليه حتى يحوِّل الظُلمة التي فيه لخير مشروعه ولتتميم مشيئته.
عندما لا يسمح الله بالشر سنخسر فوائد مشيئته الصالحة والعادلة والحكيمة في النهاية. فلو لم يسمح الله بأعظم الشرور التي أُقترفت على الأرض، لما تمَّ أعظم فداء على الصليب. هذا بالطبع لا ينطبق على كل شر، لكن يؤكد وجود إحتمالات نجهلها ونواحي مختلفة لا نستطيع كبشر أن ندركها. هذا لا يُبرِّر الشر أو يرفع من مسؤوليَّة من يرتكبه على الإطلاق. سلطان الله العجيب وقدرته على صنع هذا من دون أن يتلوث بالشر هو ميزة وجوهر الألوهة، لكن من يرتكب الشر من البشر مسؤول عنه وسيُدان من قِبل الله.
من يستطيع أن يجزُم أنه كان بالإمكان خلق كون أفضل من هذا؟ يدعونا بعض الشعراء والمُغنّين لتخيُّل عالم آخر لا يوجد فيه شر ولا خطيَّة ولا سماء ولا جهنم ولا حروب. هل ممكن أن يكون هذا العالم أفضل وأجمل ونحن لا نعلم ماذا سيتضمَّن بالكُليَّة؟ هل يمكن أن نكون مُنصفين في حكمنا بعد مقارنة هذا العالم الواقع (الذي نفتقر كثيرًا في فهمه) بعالم من صنع خيالنا لا نرى فيه إلا ناحية واحدة؟
إن العالم مُعقَّد جدًا، والإنسان المخلوق فيه بمِيزاته وإمتيازاته مُعَقّد أكثر. نحن نجهل بالتمام ما يُصاحب وما هو ضروري لأي عالم من هذه العوالم التي نحلم بها. بالمقابل، من يعرف الله وصفاته، إله الكتاب المقدس، يُدرك أنه لا يوجد أي خير أو أي شر يستطيع أن يُفسد مشروعه بالكامل. سقط العالم في الخطية وفسد جميع البشر، لكن الله يبقى الله، وهو السيِّد على الكُل، والعَالِم بالكُل، والمُرتب الكُل منذ الأزل. لا يُمكن أن يوجد عالم إفتراضي أفضل، إذ هذا يعني نقصًا في حكمة الله وذكائه ومجده.
إذن، يسمح الله المُحب بالشر لأسباب كثيرة، قد نجهلها وقد نعرف بعضها، لكن ليست بسبب عَجْزِه ولا بسبب غيابه ولا بسبب قسوَتِهِ بل بسبب بُعد وعُمق فكره عن فكرنا
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث