أثناء سرد سفر التكوين لسلسلة الأنساب من آدم إلى نوح، يظهر أخنوخ مُختلفًا عن كُل الآخرين. كُتِبَ عن الجميع أنهم عاشوا وماتوا بينما كُتِبَ عنه أنه سار مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه. بدون ذِكر أي إنجاز مُعَيّن أو تحديد أي سبب مُباشر، تَمَتّع أخنوخ بتكريم ورضى واضح من الله جعله لا يختبر الموت. كُل ما نعرف عنه هو أنه سار مع الله فقط.
هل العظمة الحقيقيَّة هي في رفقة الله أو هي أكثر حاضرة بين صُنَّاع التاريخ وأصحاب البطولات والإنجازات والأعمال الخيريَّة؟
لا أشك أن الكتاب المقدس لا يقول أن أخنوخ كان شخصًا مُنعَزلًا كسولًا وغير فعَّال، بل لا بُد أن يكون عكس ذلك. إنما لا شك أن القليل الذي قِيل عنه يقول لنا الكثير. الرسالة واضحة، لا شيء يُسرُّ قلب الله أكثر من رفقته والشركة معه والتمتّع به والشبع فيه. يحتاج هذا العالم الكثير الحركة أن يُعيد النظر بأولوياته وأهدافه ومقايسه. يحتاج هذا العالم المسيحي بالتحديد أن يُعيد حساباته، فيُقَلِّل من إحتفالاته وإجتماعياته ونشطاته، ويردّ للربّ مكانته، ويعود لتكريس الأوقات والخلوات معه.
سار أخنوخ مع الله فكان هذا سِرَّه. عَبَّر عن هذا الحب الأقوى في حياته عندما عطش وجاع وإشتاق إلى الله. فإذا لم نعط الربّ القلب أولًا، كُل ما نقدمه ونعمله ليس إلا رشوة، وإذا لم يكن هو عِزّنا وفخرنا، باطلًا ستكون كُل إنجازاتنا. بالتأكيد الله ليس معنا عندما لا نكون نحن معه.
كثيرون يحتاجون إلى مراحم الله فيصرخون إليه. آخرون يحتاجون إلى إسمه لكي يتاجروا به. قليلون كأخنوخ يحبّونه كثيرًا فيجلسون عند قدميه. المؤكد هو أنَّ لا مسيرة مع الله بدون إتّفاق وإتّباع، إذ لا يسير الله مع إنسان بوظيفة مُستشار، بل فقط كسيّد وربّ. من لا يُحبّ الربّ من كل قلبه سيلهج بما يُحبّ حتمًا. ومن بالحقيقة يُحبّ الربّ سيُمضي الوقت معه، ويومًا من الأيام سيأخذه ويُكرِّمه ويجعله عظيمًا.