العهد القديم والعهد الجديد هما كتاب واحد بجزئين، وقصة واحدة مُتكامِلة، تَعكُس الحقيقة فقط عند إكتمالها. فلو أخذنا مشهدًا واحدًا من فيلم سينمائي وتجاهلنا النهاية أو أجزاء أخرى مهمّة، لخرجنا بإنطباع مغلوط عن الفيلم وعن المُخرج معًا.
لقد كان النّاموس (القانون)، لا العُنف والدم، هو سِمة العهد القديم. فالناموس كشف الخطيّة وبشاعتها ونتائجها، وأظهَر حاجة النّاس إلى مُخلِّصٍ من عقابها. أمّا الله في العهد القديم، فكان كما الله في العهد الجديد، إلهًا يُسَرّ بالتّوبة لا بالقصاص: “هَل مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشّرّيرِ يَقولُ السّيِّدُ الرَّبُّ؟ ألا بِرُجوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيا؟” (حزقيال 18: 23). نرى الله في العهد القديم إلهًا يدعو إلى المحبّة “لا تَنْتَقِمْ ولا تَحْقِدْ عَلى أبْناء شَعْبِكَ بَلْ تُحِبُّ قَريبَكَ كَنَفْسِكَ. أنا الرَّبّ” (لاويّين 18: 19).
نرى في العهد القديم سَردًا لتاريخ وأحداث كثيرة، ومنها ما لا يَعكُس مشيئة الرب ورغبته، على قدر ما يعكس بصدق ودقة قساوة وعنف البشر آنذاك، حتى ولو كانوا من شعبه. في سرد الأحداث التاريخية يُهمل الكثير من التفاصيل التي بناءً عليها فقط نستطيع أن نحكم على الأمور. فكيف نحكم على نيَّات ومشاعر الله ونحن نجهل كامل مُعطياته وأسباب سماحه ومعرفته المُسبقة والمُستقبليّة؟ إنَّ جهلنا بالتفاصيل ومحدوديتنا الزمنيَّة تمنعنا من أن نرسم تصوّرًا مبنيًا على سرد الأحداث فقط.
إنَّ شدّة الشّرّ الّذي كشفه النّاموس وطبيعة الإنسان السّاقطة بسبب الخطيّة التي كشفها الناموس أيضًا، هما سبب شدّة الدّينونة في العهد القديم، وهذا لم يتغيّر في العهد الجديد. ويسوع المسيح نفسه تكلّم عن النّار الأبديّة أكثر ممّا تكلّم عن السّماء. حتّى أنّ أشدّ مشهد عقاب قام به الرّبّ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في العهد القديم، هو بالتّأكيد أقلّ شدّة من مشهد العذاب الأبديّ في جهنّم كما وصفه يسوع.
سيف السُّلُطات الشّرعيّة الحاكمة الّتي تعاقب النّاس وتحفظ القانون في أيّ بلد الآن، هو السّيف نفسه الّذي كان في يد الملوك والأنبياء في العهد القديم. عندما أمر الرب بإبادة الكنعانين كان ينفذ دينونة مُستحقَّة وعادلة، وعندما يأمر الله بالقتل، هو يُحقِّق العدالة، بينما عندما يقتل الإنسان بنفسه أخاه الإنسان هو يمارس الجريمة. بِغَضِّ النظر عن الموقف من عقوبة الإعدام، هل نستطيع أن نعتبر حكم القضاء بهذا الشأن جريمة؟