إنّ عدم الرّضى والاكتفاء عدوٌّ قهّارٌ يحاربُنا من كلِّ جهة. وقد تطبّعت به ثقافةُ العالم من حولنا، حتّى أنَّنا إذا تأملَّنا بأحوال النّاس، معظمهم غير راضين. فَمِنْهُمْ مَنْ لا يعجبه شكله، ومنهم مَنْ يبدو ساخطًا ومستاءً من وضعه أو عمله، وقد تجاسَرَ البعضُ وعبّروا عن عدم رضاهم عن جنسهم. هذا ما تبدو عليه ثقافة العالم التي تحارب المؤمنين، ممّا يتيح لروح عدم الرضا أن يتسلّل ويولّد يأسًا وسأمًا وضجرًا وقلقًا وإنزعاجًا. في الطّب على سبيل المثال لا يُسرِعون إلى ابتكار طرق علاج وإيجاد مضادات قبل التعرّف على طبيعة المرض وفهم أسبابه وأبعاده وتأثيراته.
يحوّلنا عدم الرّضا إلى عبدة أوثان. لا شكّ أن المال هو أحد تلك الأوثان. يقودنا الطّمع لأن نلهج بما نطمع فيه، ونعمل لأجله، ونهتمّ به، فَنحبّه مع الوقت، ونحوّله إلى معبود ووثن يسيطر على القلب والفكر ومجمل الكيان. من النَّاس من يجهلون سبب عدم رضاهم وعدم إكتفائهم، ممّا يجعل الوضع أخطر، لأنّه لا بدّ لوثنٍ ما أن يتسلّل إلى الحياة لملء الفراغ، والاستيلاء على مكان ومكانة الرب.
يورّطنا عدم الرّضا في مشكلة مباشرة مع الرّب إذ يُسبب طَبعًا مُتشائمًا أو كئيبًا وحزينًا. قد نعتقد أنّ هذا الطبع لا يهين الله، وأنّه يدفعه للشفقة والرّأفة. العكس هو الصحيح، فعدم الرّضا يُشكّل إهانة شخصيّة للرّبّ، لأنّ التذمّر موجّه ضدّه أوّلاً، حيث أن كل ما يُصيبنا في هذا العالم هو بسلطان وسماح منه.
يتسبّب عدم الرضا بخسائر عظيمة ومُتنوِّعة. فبقدر ما تكون القناعة تجارة عظيمة، يكون بالمقابل عدم الرضا خسارة أعظم. إن عدم الرضا يسلب الرجاء والسلام والفرح وأشياء أخرى جميلة في الحياة. لا يمكن أن يجتمع النّقيضان معًا، لا يستطيع الفرد أن يكون مستاءً ومسرورًا في الوقت عينه، وعندما يشعر الإنسان بالإستياء يخسر الشّعور الدائم بالسّرور والفرح.
في النهاية يدفعنا عدم الرّضا إلى الضّلال لأنه يجعلنا عُرضةً لتصديق أي شيء. إنه يُعيدنا إلى مرحلة البحث والتحرّي وإختبار الطُرُق الأخرى. فالمريض الّذي لا يرضى عن طبيبه يبحث عن طبيب ثانِ وثالث، إلى أن يقع بين يدَيْ أحد الأشرار الّذي قد يدمّر حياته، وكل ذلك بسبب عدم رضاه عن الأطبّاء الّذين قصدهم. كمثال لهذا المبدأ، أليس عندما يشعر الأطفال بعدم الرضا على أهلهم يبحثون لأنفسهم عن بديل!
صغير جدًا هو الإنسان عن جميع ألطاف الله. ينسى إحسانات الله وبركاته ويخاف بسرعة! يُجاهد لما هو زائل ويتجاهل ما هو واضح ومُختَبر. جاهلٌ هو الذي لا يعرف بعد أن العالم كله لا يستطيع أن يُشبع النفس الثمينة والغالية على قلب الله.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث