كثيرًا ما نسمع صرخات أليمة تُطالب الله بالتدخّل لإنقاذ الناس من الشر والظلم. تبدو هذه الصيحات مُبرَّرة ومنطقيَّة، وبحسب الظاهر يبدو أنَّه من الأفضل على الله أن يُسرع في عمل شيء قبل أن يضمحل الإيمان ويتملَّك اليأس والفشل الناس. من المُلفت التشابه الكبير بين هذه الصَرَخات وصرخة المُذنب الذي كان يُصْلَب بجانب يسوع الناصري، إذ قال له “إن كنت أنت المسيح، فخلِّص نفسك وإيَّانا!” يستمر هذا التشابه بالتصاعد عندما نُتابع ونلاحظ أن يسوع لم يُجِبْهُ بشيء. حصل هذا على تلة الجُلجُثة وما زال يحصل مع البشريَّة كل يوم. ما المشكلة في هذا الطلب، وما المانع من أن يُبرهن الله عن وجوده وقدرته بالإستجابة والتدخُّل السريع؟ طبعًا ليس الجوابُ سهلًا، إنَّما ما قاله المُذنب الآخر يكشف بعضًا من الحق عن الموضوع، ويكشف موقف الله من الناس عند تفاعلهم مع أوضاعهم البائسة.
في الجانب المقابل إعترف المُذنب الآخر بأنه يستحق بعدل ما كان يُعاقب به، رُغم أنَّ حكم الموت بطريقة الصلب المؤلمة والمُهينة لا يستحقها إنسان مهما كان حجم جرمه، والذي دَفَعَ هذا المذنب لقبول هكذا مصير هو مقارنته لنفسه مع ما كان يسوع يفعَلُهُ بجانبه. عندما يقوم أحد بمقارنة كهذه حتَّى ولو كان من أكثر الناس الذين يعانون الظلم والألم، سيجد نفسه مُستحق العقاب، إذ هو جزء من هذا العالم الساقط المتمرد. عندما يتأمَّل أبَّر وأقدس من في الناس في يسوع المصلوب، سيكتشف أن الخطيَّة في القلب هي المشكلة الكبرى أولًا وأخيرًا، وهو أحد عبيدها.
أراد المُذنب الأوَّل أن يَخلُص من الموت بينما رأى الثاني أنَّه يَستحِقُّه، كما رأى أنّ في موت المسيح خلاصًا من نوع آخر، فبينما كان الأوَّل يُطالب بالخلاص من حكم الموت، كان الثاني يَخْلُص من الكبرياء والشفقة على الذات. رأى الأوَّل في مأساته سببًا وجيهًا للخلاص، بينما رأى الثاني في آلام المسيح بابًا مفتوحًا لدخول الفردوس.
من المدهش كيف عرف هذا المُذنب أن يسوع الناصري هو المسيح الملك وتاجه لم يكن أكثر من إكليل شوكٍ! من المدهش كيف عرفه مُخلِّصًا وهو يَسفِك آخر قطرات دمه! لكن ما أظن أنَّه ما يبعث على الدهشة والتعجب هو كيف تجرَّأ أن يطلب من المسيح أن يُدخِلُه في ملكوته بهذه البساطة. والمسيح بالمقابل أكَّدَ له نجاح مسعاه بقوله الشهير له “الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس”.
يُدهش هذا المُذنب كيف بكلمات قليلة لخَّص عقائد كثيرة وأظهر الطريقة العجيبة لدخول الراحة الأبديَّة. يُدهش كيف جرَّدَ كلَّ التنظيمات الدينيّة من أي إدِّعاآت بإمتلاك حقوق حصريَّة في موضوع الخلاص، وهزَأَ من كل الشروط أو المقاييس التي يضعها أعظم وأتقى الناس لدخول السماء. لم يعمل شيئًا وهو في الواقع عاجز عن فعل أي شيء، لكنَّه إعتمد فقط على نعمة ورحمة من إختار أن يصنع الفداء بجواره. فإمَّا ان يكون هذا المُذنب هو أحد أكبر المحظوظين في العالم، أو إنَّ من فتح أبواب الفردوس وأدخل هذا اللص برفقته، هو الذي فتح قلبه وعقله ليُعطينا للأبد مثالًا صارخًا وواضحًا عن كيفيَّة الحصول على تأشيرة الدخول للوطن السماوي مجانًا.
نجاح رُغم الإخفاق
أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث