أين هي عدالة الله؟

في ظلّ وجود كلّ هذا الشرّ والظلم في العالم، يأتي السؤال البديهي: أين هي عدالة الله؟ لا توجد مساواة في معاملات الله الظاهرة مع الانسان، ولكن هل يعني هذا أن الله غير عادل! حروبٌ مفروضة ومصائب متنوّعة يختبرها كثير مِن مَن لا دخل له ولا رأي فيها. التالي هو بعض الامور المهمّة التي يجب أن نأخذها بالإعتبار قبل ان نُطلق الأحكام المتسرِّعة.

محدوديتنا ضمن الزمن
جميع البشر محصورون بالزمن ولذلك لا نستطيع ان نحكم على أعمال الله وأهدافه. نحن لا نستطيع ان نعي الماضي والحاضر والمستقبل بشكل كامل، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على تقييم عدالة الله حسب رؤيتنا الحاليّة، بينما الله يعمل على أساس الماضي والحاضر والمستقبل الذي يفوق مرحلة وجودنا.

محدودية معلوماتنا
نحن لا نعرف الاّ القليل. لا يستطيع أي قاضي ان يحقّق في امر ما ويَصل الى حكمٍ عادل دون وجود كامل المعطيات لديه. مريم ومرتا لامتا المسيح على عدم وجوده اثناء مرض اخيهما العازر. اظهر بعدها يسوع انّ الامر الذي بدا ظُلماً لمرتا ومريم حسب معلوماتهما القليلة المحدودة، كان في الحقيقة والواقع لإقامة العازر من الموت وتمجّيد الله.

مقاييسنا تختلف عن مقاييس الله
إن دستور الله يختلف عن دساتيرنا في تعريف الامور. فالعدالة عنده معقَّدة بسبب سموّه ووسعة تدبيراته وتختلف جدًا عن تعريف البشر. فبعض الناس يختصرون العدالة على أنها التساوي بين الجميع بحدود زمان معيّن، بينما أعمال الله كُلها صالحة وأبعادها خفيَّة بحسب مقايسه الإلهية. هو الخالق والخير المطلق الذي وحده يُحدِّد مقياس العدل والحقّ.

كل حَدَث له ابعاد كثيرة
لا نستطيع أن نفصِل أيَّ حدث عن كل ما حوله ونعالجه بإستقلاليَّة تامّة عن ما هو مرتبط به. لا نستطيع ان نبرهن أنه توجد عدالة افضل من العدالة التي نراها الآن، إلاّ إذا إستطعنا أن نؤكد أن الفَرَضيّات الأخرى، التي نظنّ أنها أفضل، هي أفضل بالبرهان والإختبار (وهذا مستحيل). كما أننا لا نستطيع أن ندرس كلّ أبعاد الأحداث من ناحية أسبابها، تأثيراتها وأهدافها من نحو كُل من هو مرتبط بها.

العدالة مع الرحمة حاضرة في الصليب
أكثر مشهد أظهر الله فيه رحمته ونعمته ومحبته، رغم وجود الشر في هذا العالم، هو الصليب. فما مِن أحد يستحقّ أن يموت الله لأجله. الكلّ يستحقّ العقاب والموت، فهذه هي أجرة الخطيّة. ما فعله الربّ يسوع هو خلاص مجاني بنعمة لا نستحقّها.

ما نراه من عدالة الله الآن هو مؤقّت وظلّ للعدالة القادمة لاحقاً
ما نرغب بتحقيقه كبشر اليوم هو عيّنة صغيرة من العدالة الإلهيّة التي ستظهر لاحقاً. لا يمكننا ان ننظر الى هذا النموذج الصغير ونحكم ونتجاهل الوعود النبويّة الكثيرة التي تؤكد روعة ما أعدَّه الله للذين يحبونه. فهو لم يَعد بالعدالة فقط، بل بتعويض لا يقارَن، بالشركة معه إلى الأبد. ستحقق العدالة التي يشتاق إليها الصدّيقون.

من أين هذه الرغبة بالعدالة؟
أليس لهذه الرغبة مصدر! من وضعها في الإنسان؟ كيف نتهّم الله أنه غير عادل أو غير موجود، ونُظهر شوقًا وحنينًا لصفاته ولملكوته؟ العدالة ليست تحقيق ما نحتاج إليه، بل هي حساب دقيق من خالق طاهر وشريف، خلق الإنسان على صورته ومثاله. متى إقترب الإنسان منه أحبّ العدالة، ومتى إبتعد عنه ظَلَمَ وتمرّد. المشكلة ليست معه بل مع من يَعصي وصاياه وشرائعه.

Share the Post:

other articles

نجاح رُغم الإخفاق

أثناء ثورة الإصلاح في إنجلترا، أصبح رئيس الأساقفة توماس كرانمر إنجيليًّا، وراح يعمل على إصلاح الكنائس. قُبض عليه وعُذّب ثلاث

Read More

أمراض القلب

تُصَنَّف الكثير من الأمراض، التي ليست عُضويَّة في طبيعتها، على أنها “نفسيَّة”، فتُعالج خطأً بالوسائل الطُبيَّة عبر الأدوية أو الإرشادات

Read More

لماذا خلقَنا الله؟

هل يحتاج الله لمن يُحبه ولمن يعبده؟ وجود الحاجة يعني وجود النقص. إذا كانت عمليَّة الخلق هي لتأمين الشركة مع

Read More

CONTACT

WORKING HOURS

Join THE SOCIAL CIRCLE

Get updates on special events  & added information