كثيرون في أيّامنا يعيشُون حياةً غير صادقة وغير حقيقيّة، ليس لأنّهم يُحبّون الكذب، أو لكونهم أشرارًا، بل لأنّهم يرغبون بأنْ يظهروا إيجابيّين ولائقين! فمن المُتوقّع إجتماعيًا أن يُجاوب من يُسأل عن حالته بأنه على ما يُرام، ولو حتى من باب التهذيب. ونحن كناس نخفي كلّ ما نشعر به، متجنّبين بذلك، عن قصد أو غير قصد، الصدق والحقيقة. الواقع الحزين هو أنّ مجتمعنا أيضًا يُوفّر المناخ المناسب لارتداء الأقنعة!
طريق الرياء
نأخذ مثالاً لهذه المشكلة تلك الفتاة الّتي ترغب في أن يراها الجميع جميلة، رغم أنّها هي نفسها غير مقتنعة بجمالها. يُجَسّد هذا المثل نواحي أخرى كثيرة يحاول فيها الإنسان أن يظهر عكس واقعه، فتغدو حياته مجموعة من الادّعاءات مليئة بالتّمثيل والتّزوير. يتجلّى ذلك أيضًا في حياة التّديّن، فالمتديّن مقتنع بنموذج أخلاقي معيّن، ويؤمن بضرورة أن يعكسه حتّى لو لم يكن نابع من قلبه.
وتكمن الخدعة الرهيبة في ظنّ الإنسان أن الأقنعة المُتقنة التي يرتديها تُخفي عيوبه وتُحسِّن سمعته، بينما هي على العكس، تُخفي جمال الحقيقة وتُبرز صورة العالم المغشوش والمُشوَّه.
جمال بدون كمال
تتكرّر في رسالة يوحنّا الأولى عبارتان: “إنْ قُلْنَا” و “مَن قال”. يتحدّث يوحنا عن حياة الخداع والرّياء الّتي تحاول أن تخفي الحقيقة عبر التعبير عن عكسها. المفهوم الحقيقي للجمال هو الصّدق والشّفافيّة. كل مَنْ يعيش حقيقته هو شخص جميل، حتّى ولو بدت فيه عيوب ولو لم يكن كاملاً. الكذب والكبرياء أقبح من أي ضعف أو خطأ.
جمال الإعتراف
من مبادئ الحياة الصادقة هو أن لا نُخفي خطايانا بل نعترف بها باستمرار. لا يعني ذلك أن نستخف بالخطيّة ونتقبَّل أكثر بشاعتها، بل أن نعترف بها لرفضها. من يريد النجاح لا يدعَّي به، بل يسعى إليه. تُعلن لنا الحكمة المقدسة “من يكتم خطاياه لا ينجح” (أم 28: 13). الصدق مُكلف ومؤلم أحيانًا، لكن يوجد له دواء، بينما إخفاء وبقاء الخطية هو الطريق المُريح للموت السريع.
جمال الحق
يقول كاتب المزمور: “سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي” (مز 119: 105). عندما تُنير كلمة الله درب الإنسان، حينها فقط يُصبح قادرًا على رؤية خطاياه بوضوح. مَنْ ليست لديه كلمة الله لا يدرك بالكامل أنه خاطئ. يحكي يوحنّا الرسول عن النور الحقيقيّ الذي ينير الآن (1 يوحنا 2: 8). يتجسّد هذا النور بكلمة الله المُتجسّدة أي بيسوع، بالكتاب المقدس الذي هو كلمة الله المكتوبة، الّذين يمتلكان النور الكافي لتمييز الحقيقة.
جمال صورة يسوع
لا تبدأ الحياة الصادقة والحقيقيّة إلَّا بالحياة الجديدة. عندما يصبح الرّب يسوع ربًا وسيّدًا على حياتنا، عندئذٍ فقط ينعكس التّغيير الأساسي والجوهري الداخلي على الخارج. إذا لم نُسلّم حياتنا للرّب يسوع حتى يغفر لنا خطايانا ويعطينا قلبًا جديدًا وحياة جديدة وجمالاً جديدًا، لن ننجح في أن نعيش الحياة الصّادقة، وسنستمرّ في التّمثيل ولبس الأقنعة، بعيدين كُل البُعد عن الجمال الحقيقيّ.