طَلَبَ الرَّب من موسى أهَمّ وأصعَب مَهَمَّة في تاريخ شعبه القديم، أن يقودهم للخروج من العبوديّة في مصر إلى أرض أبائهم. كان موسى مُتَرَدّدًا وخائفًا؛ كما أنَّهُ حاوَلَ كثيرًا أن يستعفي لكنّ الربَّ أصَرَّعلى دعوته له وقاده في هذه المهمة الصعبة. الأمر المُمَيّز والغريب حينها هو طلب الله منه أن يصطحب معه عصاه فقط.
عصا العجائب
كان لهذه العصا دورٌ كبيرٌ. كانت العلامة التي إستُخدمت حتى يؤمن الشعب أنّ الربّ أقامه قائدًا لهم، إذ عندما كان يرميها إلى الأرض كانت تتحوّل إلى حيَّة، وعندما يعود ويُمسكها كانت ترجع عصا. عندما وقف أمام فرعون، واجه موسى سحَرَة مصر الذين إستطاعوا أيضًا أن يحوّلوا عصيَّهم إلى ثعابين عند طرْحِها الى الأرض، لكن عصا موسى قامت وابتلعت عصيَّهُم. كانت هذه علامة أخرى على سيادة الله وتفوقه على قوى الظلام. رغم ذلك غَلُظ قلب فرعون وأبى أن يُطلق الشعب. طلب الرب من موسى أن يضرب بالعصا ماء النهر فتحوَّلَ دمًا ومات السمك وأنتنَ النهر. بعد سبعة أيام إستمرّ فرعون برفض إطلاق الشعب فضرب هارون أخو موسى النهر بالعصا نفسها فخرج ضفادع على كل أرض مصر. توالت الضربات على أرض مصر كُلما رُفعت هذه العصا بناء على أمر الرب، فكان أيضًا البعوض والذبان وموت الماشية والدمامل وغيرها حتى ارتحل الشعب في النهاية. رغم كل ذلك، عاد فرعون وطارد بجيشه وفرسانه الشعب الأعزل وأدركهم عند البحر. إرتعب الشعب وصرخ موسى إلى الله فجاءه الجواب المدهش “آرفع أنت عصاك ومُدَّ يَدَكَ على البحر وشُقَّه”. إنشقت المياه ودخلوا في وسط البحر على اليابسة، وكان الماء سورًا لهم عن يمينهم وعن يسارهم. لكن عند دخول المصريين وراءهم في وسط البحر، رجع الماء وغطّاهم ولم يُبق منهم ولا واحد. لم ينته عمل العصا هنا، فعندما لم يجد الشعب الكثير ماءً للشرب أثناء الترحال في الصحراء، ضربت هذه العصا الصخرة وأخرجت ماءً. وعندما هاجم عماليق في منطقة رفيديم رُفعت هذه العصا على رأس التلة من موسى، فكانت كُلما تُرفع يغلب شعب في الحرب، وإذا إنخفضت كانوا يخسرون.
ماذا تُشبه؟
هذه العصا لم تكن عصا سحريَّة بالتأكيد. هي ليست إلا خشبة عاديّة بسيطة لم يكن يملك موسى غيرها. إختارها الله لكي تكون السلاح الظاهر الوحيد المُعتمد في هذه الحرب. كانت القليل الذي في يده عندما دعاه الرب للإنطلاق بمسيرة روحية عظيمة. من هنا أراها في حياة كُل مؤمن تُشبه إعلان الإتكال على الرب فقط والتخلّي عن الخطط البشرية التي تعتمد على القوة والحكمة الإنسانيّة. أراها تُشبه إعلان الطاعة ببساطة والثقة بالإله القادر على كُل شيء. أراها تُشبه التمسُّك بالصليب فقط كأساس وحيد للكرازة والخلاص والتقديس، إذ هو وحده قوة الله للخلاص. أراها تُشبه إنتظار كُل مؤمن تدَخُّل الرب المعجزي في تغيير الأوضاع والظروف وتحقيق وعوده الصادقة. أراها في كُل صرخة مظلوم وموجوع مرفوعة بإيمان حقيقي. ما أكثر الأسلحة المعروضة والمستخدمة في المسيرات الروحية، بينما كانت عصا موسى السلاح الوحيد.
ليس قوّتنا أو قدراتنا أو مواهبنا الطبيعيَّة هي التي تصنع العجائب، لكن الإيمان بيسوع. نعم، بالإيمان تحوّلت عصا موسى فأصبَحَت عصا الله. هكذا بالقليل الذي عندنا يستطيع الله أن يتمجَّد ويصنع المستحيل من خلالنا.