هل يحتاج الله لمن يُحبه ولمن يعبده؟ وجود الحاجة يعني وجود النقص. إذا كانت عمليَّة الخلق هي لتأمين الشركة مع الإنسان وكسر وحدة الله، هذا يعني أنَّ الله غير كامل في طبيعته وصفاته ويوجد ما يحتاج له. من المنطقي أن يكون الله مُكتفٍ بذاته ووجوده لأنَّه الله الكائن. وبالمنطق نفسه هو أيضًا لا يحتاج لمن يعبده. من المشاهدات والإختبارات في هذه الحياة، يَظهر أن الإنسان هو من يحتاج إلى الله وليس العكس، وهو من يعبده بإختياره تعبيرًا عن تقديره ولذته بصانعه ومُخلِّصه.
نستطيع أن ننظر للخلق على أنَّه نتيجة لممارسة الله لطبيعته الخَلَّاقة والمُبدعة، وتعبير خاص عن حكمته ومحبّته. عندما يخلق الله يخلُق لهدف، وهذا الهدف لا بد أن ينجح. بالتالي عند نجاح وتتميم كُل أهداف الله، يتمجَّد ويُسَر. لهذا يقول الله في سفر إشعياء النبي “وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ” (7:43).
عندما خلق الله الإنسان، خلقه عل صورته ومِثَاله، كاشِفًا صلاح خطته عبر إنتقاء أفضل صورة للإنسان. وبعد أن سقط الإنسان وشوّه هذه الصورة، عَمِل الله من جديد على إعداد خلاص بنفسه وعلى إرجاع هذه الصورة بالمسيح. فالخَلق هو قُدرة إبداع وجمال ومُتعة. والوجود أجمل من عدمه، والشركة والمحبة هما من معاني الحياة الراقية والمُسِرَّة، لقلب الله والإنسان معًا. فأيُّ جمال وفرح نتمتع به الآن هو بسبب الخلق.
بسبب عمق فكر الله وغنى حكمته، لا بد أن توجد أسباب كثيرة ومُتشَعِّبة لخلق الإنسان. دائمًا هناك الكثير ممَّا نجهله عندما نتكلم عن مقاصد الله الأزليَّة. لكن ما هو مؤكد أنَّه من الرائع أن نكون هنا على هذه الأرض ليكتشف كل واحد منّا الهدف السامي من وجوده. هذا السبب سيكون مُنسجمًا مع ظروفه ومواهبه، وأحيانًا كثيرة مع تَطَلُّعاته وأحلامه.